صومو تصحو

صوموا تصحوا

صوموا تصحوا

 

ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك  

 

صومو تصحو
صومو تصحو

 

شبكة التغذويين العرب – م. ميساء حنا مراد:

 

روى المقداد بن معد يكرب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الترمذي وحسنه.

كلمات حكيمة ذات عبرة ومعنى عظيمين أشار لهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لابد أن يدركها كل صائم عليه الالتزام بآداب الصيام وشروطه: كعدم الاكثار من الطعام وقت الافطار إلى حد الامتلاء فيعتدي بذلك على الثلث الذي أمر به رسول الله بالالتزام به عند الأكل.

فنظام الصوم المتبع في الإسلام والمتمثل في الامتناع عن الطعام والشراب لمدة تزيد عن أربع عشرة ساعة ثم تتبعها بضع ساعات من الطعام هو نظام مثالي لتنشيط عمليتي: الهدم (Catabolism) والبناء (Anabolism) في الجسم, ففي عملية الهدم يقوم الجسم باستهلاك وتدمير الخلايا القديمة (الهرمة والمريضة) في الأعضاء المختلفة من الجسم، في الوقت نفسه يقوم الجسم بعملية البناء، ففي أثناء فترة الصيام تنشط عملية الهدم ثم يأتي بعدها عملية الإفطار حيث تنشط عملية البناء.

وقد يظن كثير من الصائمين أن السكون والراحة والنوم أثناء الصيام منفعة لهم وتوفير لطاقاتهم ومحافظة على صحتهم وهذا في الحقيقة مخالف للحقائق العلمية، فللحركة والعمل والنشاط أثناء الصيام لدى الأشخاص الأصحاء فوائد عظيمة لاتتحقق ولا تكتمل إلا بالحركة، بالإضافة إلى أن النوم أثناء النهار والسهر طوال الليل أثناء شهر رمضان يؤديان إلى اضطراب عمل الساعة البيولوجية للحركة والنشاط – تكون في أعلى مستوياتها في الفترة الصباحية وأقلها في الليل.

فالصيام الذي يتبعه إفطار معتدل متوازن يساعد في خفض الوزن في الأشخاص المصابين بالسمنة ولكنه لا يؤثر كثيراً في الأشخاص المعتدلين وزناً حيث أن الصيام الإسلامي يؤدي لتوازن بين عمليتي البناء والهدم وبذلك فهو يساعد بالتحديد على التخلص من الوزن الزائد ..

صوموا تصحوا .. 

إنها فرصة مناسبة لإعادة توازن الحياة الغذائية بشكل صحي وسليم والبعد عن الاسراف فيه، فالصيام بحد ذاته من الريجيمات القاسية التي يتعرض لها الجسم وبالتالي فاستجابة الجهاز العصبي خلال ساعات الصوم لهذا الحرمان الكامل من المواد الطاقوية التي يحتاج إليها ومن الماء أيضاً هي نفسها الاستجابة الفسيولوجية في حالات اتباع الريجيم القاسي في الأيام العادية.. وهذه الاستجابة هي تنشيط ميكانيكية الخزن والتقنين في استخدام الطاقة وبالتالي فعند الافطار يكون الجسم مهيأ تماماً لخزن أكبر كمية ممكنة من السعرات الحرارية التي يحتويها الغذاء الذي يدخل الجسم في وجبة الافطار ولذلك يدعو أخصائي التغذية دائماً إلى تناول الطعام المتوازن الصحي المفروض تواجده على مائدة الإفطار تحاشياً للسمنة التي يصاب بها الكثيرين في نهاية شهر رمضان والناتجة عن الافراط في تناول الأطعمة على مائدة الافطار.

-وتجدر الإشارة هنا لضرورة وأهمية وجبة السحور وليس وجبة الافطار (باعتبار السحور هو الوجبة الأساسية في شهر رمضان كما هي عليه وجبة الفطور في الأيام العادية) لما تمنح الجسم من زاد وطاقة تبقى مع الجسم في فترة الصيام الطويلة لتمكنه من متابعة باقي اليوم بنشاط وصحة، حيث يجب أن تتركز هذه الوجبة على الطعام الغني بالطاقة والألياف لتقليل الاحساس بالجوع.

  • لابد من شرب السوائل وتناول الفواكه والخضار وتجنب تناول الأطعمة المالحة للحد من الشعور بالعطش.
  • عند الافطار لابد من مراعاة تناول القليل من المواد السكرية سهلة الهضم والامتصاص كبدايةً (التمر) وأحد أنواع العصائر الشائعة في رمضان (كالتمر هندي وعرق السوس وقمر الدين – .. ) وهي هامة جداً لأنها هنا ستدخل معدة خاوية بعد ساعات طويلة من الركود.
  • يليها أحد أنواع الحساء المختلفة (عدس – خضار – …) على أن يضاف لها قطعة من اللحم أو الدجاج مع قليل من الخبز أو استبدالها بنوع معين من الأطعمة على أن يكون خفيفاً على المعدة وسهل الهضم وقليل الدسم مع الاكثار من الخضراوات أو نوع من السلطات (لأنها تحتوي على نسبة جيدة من الألياف الغنية التي تمنع الامساك وتنظم حركة المعدة وتعطي شعوراً بالشبع فتقلل من كمية الطعام وتساعده على المحافظة على الوزن).
  • لابأس بالنشويات والمواد الكربوهيدراتية المركبة (البطاطا – الرز – المعكرونة – .. ) ولكن بكمية قليلة ..
  • من ثم يمكن تناول نوع من الحلويات الخفيفة أو استبدالها بأحد أنواع الفاكهة ..
    وبالتالي نكون قد أدخلنا للجسم خلال فترة الافطار كل من: السكريات والبروتينات والكربوهيدرات والسوائل بما فيها من فيتامينات والقليل من الدسم .. وبالتالي تكون وجبتنا صحية ومستوفية كامل العناصر الغذائية المطلوبة – بدون تلبك معوي أو إكثار في الطعام .

مع ضرورة التسلسل في تناول الغذاء ووجود فواصل زمنية في تناولها على أن يتم توزيع الغذاء على عدة وجبات وليس تناولهم معاً بعد حلول موعد الافطار فالوجبات الخفيفة التي تأتي بعد الوجبة الأساسية نظرية صحيحة حتى في الأيام العادية ولكن بمراعاة نوع هذه الوجبات وكميتها أي الابتعاد عن الحلويات الدسمة وعن المواد المقلية لما تسببه من إرباك وإرهاق للمعدة بعد الصيام، فلماذا لايتم استبدال القلي بالشوي بالفرن مثلاً ” مع الابتعاد عن شرب المشروبات الغازية مع تناول الافطار لأن ذلك يحد من كفاءة الهضم وبملء المعدة إضافة لضعف القيمة الغذائية لهذه المشروبات”..

إن التجارب والدراسات والأبحاث العلمية الدقيقة تؤكد على فوائد الاقلال من الطعام وعدم الاسراف فيه: فمضار الإكثار من الطعام على الجهاز الهضمي عظيمة قد تؤدي إلى أمراض كثيرة وذلك يضيع على الصائم الفوائد الفسيولوجية الجسدية والصحية الجلية منها والخفية التي أعدها الله للصائم كأجر له في الدنيا قبل الآخرة أما العقل فقد خسر المعركة أمام شهوة البطن أما الروح فكيف يكون لها أن ترتقي وتستفيد من هذا الشهر العظيم في الصلاة والدعاء وقد أثقلها جسدها بما يحمله في جوفه .. منغمساً بذلك الصائم في التلذذ بأنواع الأطعمة المختلفة ورواج الأغذية في شهر رمضان الفضيل لإشباع شهوة البطن ناسياً بل متناسياً أن هذا الشهر هو شهر الفضيلة والكرم والخيرات على كل محتاج وعلى شفاء أنفس طال بها المرض، وقد قال رسول الله : (كلوا واشربوا ولا تسرفوا وسنة نبينا نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) ..

هناك حكمة إلهية اقتضت أن يكون في الصوم من الفائدة للانسان الكثير إن كانت جسدية أم عقلية أم روحية وهذا ما أثبتته الدراسات، ففوائد الصيام التي يؤديها المؤمنون من مختلف الأديان هي حقائق علمية بهدف تحقيق الانسجام الداخلي (أي المصالحة مع الذات) بعد أن طغى على النفوس حقد الإنسان على أخيه الإنسان، كما يحقق الصيام تعميق وعي الإنسان ورهافة أحساسيه وإحساسه بالغير ورفضه الأنا لنكون بذلك كلنا شعب واحد قوي محب للآخرين لرد الظلم وقهر العدوان والتحول إلى أناس جدد في تعاملهم مع الآخرين .. فهيا لنستعيد ذاتنا ونعيد ما أفقدتها إياه الحياة العملية والحياة المادية لنجمع شمل العائلة والأهل والأصدقاء لنكون بذلك أناس حقيقيون عرب تربينا على الفضيلة والتسامح وحب الناس والكرم والجود ..

الرياضة والصوم .. صديقان حميمان

من المفيد جداً ممارسة الرياضة (كالمشي مثلاً) قبل موعد الافطار بقليل أو بعد تناول الافطار والراحة (أي بعد حوالي ساعتين أو ثلاث) وذلك لتفادي تراكم الدهون والشحوم والسعرات الحرارية في الجسم نتيجة استعداد الجسم لذلك خلال هذه الفترة وأيضاً للحفاظ على الصحة والنشاط.

 

قمر الدين ورمضان .. روحانية 

قمر الدين
قمر الدين

ومن الملاحظ خلال شهر رمضان المبارك وعلى موائد الافطار والسحور فيه استخدام قمر الدين أو المشمش المجفف في شهر رمضان المبارك كمشروب شعبي في أغلب الدول العربية، وتكاد الموائد السورية لا تخلو من قمر الدين سواء عصيراً أو كنوع من المهلبية المحلاة لما له من فوائد صحية جمة.

قمر الدين هو عبارة عن مزيج المشمش وعصيره والسكر والقطر الصناعي والزبدة (قمر الدين هو: عصير ثمار المشمش الناضج المجفف، حيث يصب عصير المشمش الناضج في صحون كبيرة أو على ألواح خشبية ملساء ويترك ليجف في الشمس ويقطع إلى قطع مستطيلة أو مربعة ويحفظ في أكياس بلاستيكية للاستعمال، أما مشروب قمر الدين فيحضر بنقع كمية من قمر الدين حسب عدد أفراد العائلة في إناء لمدة /4 ساعات/ ثم يحرك مع الماء جيداً ويصفى ثم يقدم بارداً ليشرب قبل تناول الفطور ويفضل أن يكون بلا سكر)، ويتم تصنيعه في موسم الصيف حيث موسم الصيف حيث موسم المشمش الذي تشتهر به غوطة دمشق، فقد ارتبط قمر الدين برمضان المبارك منذ زمن بعيد..

يرجع الباحثون تاريخ استعماله في رمضان إلى الدولة العباسية .. وقال البعض أنه يرجع إلى الدولة الأموية فقد كان معروفاً في الشام منذ قبيل الفتح الاسلامي بدمشق وهو عبارة عن رقائق مصنوعة من المشمش أو هو رقائق مجففة من المشمش الطبيعي كان يصنعه بهذه الطريقة أهل الشام لحفظ المشمش المعروف -بقصر موسمه- من الفساد..

وانتشر استعماله في العواصم الاسلامية سواء في بغداد أو دمشق أو القاهرة ثم انتقل إلى المغرب والأندلس فكان يقدم كشراب في مجالس بعض الفقهاء والصوفية. وفي القاهرة اعتاد الناس أن يصنعوا منه الخشاف (حيث يضعون في شرابه اللوز والبلح والزبيب والتين) ويرى البعض أن سر استعماله في رمضان قيمته الغذائية العالية التي تعوض الصائم مافقده من فيتامينات أثناء نهار الصيام ..

حيث قال الحكيم التفليسي: “نقيع المشمش يبرد المعدة ويسهل الطبع ويسكن العطش ولاينبغي أكله بعد الطعام”، ومن هنا يتضح أن شرب عصير قمر الدين في رمضان قبل الأكل له مايبرره حسب رأي الحكيم التفليسي، وقال الأنطاكي:”قمر الدين الذي يصنع من عصارة المشمش المجففة يمنع الصداع الصفراوي ويقطع شهوة الوحام إذا أخذ مع بذور الرجلة”.

يحتوي قمر الدين باعتباره مشمشاً على فيتامينات A,B,C (فقد وجد أن كل /100غ/ من قمر الدين تعطي: /45 بالمائة/ من حاجة الجسم من فيتامين A، /8 بالمائة/ من الحاجة لفيتامين ، /2-6 بالمائة/ من فيتامين B، /3 بالمائة/ من فيتامينB1) بالاضافة إلى السكريات ومادة مشابهة للكاروتين ومواد دهنية ونشوية وعفصية ومعادن من الفوسفور والمغنزيوم والكالسيوم والحديد والبوتاسيوم والصوديوم والكبريت والمنغنيز والفلور والبروم وحمض النعناع والليمون والطرطر (فقد اتضح أن كل /100غ/ من لب المشمش تحتوي على: /200 ملغ/ بوتاسيوم وكذلك صوديوم)، نتيجة احتوائه وغناه بالفيتامينات وكذلك المعادن الهامة لجسم الانسان فهو من أعظم العصائر فائدة لجسم الانسان فهو علاج للاسهال والطمث وسوء الهضم لأنه يساعد على تحسين الهضم ويعتبر كذلك مادة منشطة لعمل المرارة وكذلك فهو يعمل على زيادة حموضة الدم والضعف العام وقد كان يستخدم في الماضي لمعالجة الالتهاب الكبدي (اليرقان).

يفيد قمر الدين للعطش وفي تنظيم عمل الأمعاء وهو يقوي الأعصاب ويفتح الشهية ويقوي الخلايا النسيجية ويزيد من مناعة الجسم ويرطب وينظف الأمعاء ويفيد المصابين بانحطاط القوى الجسمية والفكرية ويهدئ الأعصاب، كما يزيل الأرق وينشط نمو الأطفال ويفيد المسنين والشباب، وأحياناً يقطعه الأطفال ويأكلونه كما هو وهذا يدل على لذة طعمه وعظيم فائدته .. ويستفيد من قمر الدين كل من المصابين بفقر الدم والرياضيين وأصحاب الأعمال المرهقة والناقهون والنساء الحوامل، ماعدا الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في المعدة فعليهم التقليل منه.

يستعمل خارجياً ككمادات توضع على الوجه فيقوى بها الجلد وينقي ويصفي البشرة.

يرجع الباحثون تسميته بهذا الاسم: أن أحد أشهر صانعيه كان يسمى –قمر الدين-، والبعض الآخر يرجع هذه التسمية إلى طرحه في الأسواق قبيل رمضان بيوم أو ليلة الرؤية فارتبط اسمه باسم رؤية قمر رمضان أو هلال رمضان. ويقال أنه يسمي قمر الدين لأنه يحفظ ليؤكل في شهر قمر الدين أي (شهر رمضان المبارك).

 

هل اعجبك الموضوع ؟ شجعنا على الاستمرار بكتابة تعليقك هنا بالأسفل

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.